يقوم البحر الأبيض المتسوط بدور حساس بين الأقطاب التي تسيرطر العالم والواقع يشهد ذلك في التحركات العسكرية الأخيرة
لقد قام مؤخرا الأتراك والبلغار والرومانيون بعمل رائع عندما نزعوا الألغام الموزعة في البحار ليبطلوا مفعولها بانفجارها عندما كانت موضوعة أمام ميناء أوديسا وفي وقت كان عبور السفن التجارية لمضيق البوسفور مستحيلا. ولقد كانت السفن العسكرية الروسية لا تستطيع تطهير البحر من الألغام لأن الأسطول الروسي خيّر البقاء محجوبًا من البحر الأبيض المتوسط ليختفي بعدها نحو المحيط الأطلسي. ولقد انسحب كذلك الأسطول السادس الأمريكي تدريجياً لكنه احتفظ بقواعده في روتا ومورون ونابولي وأفيانو وسودا وإزمير أمام استقرار روسيا في طرطوس السورية، وكذلك في الجزائر وليبيا. وفي خصوص المد العسكري الصيني ، فلقد اشترت الصين ميناء بيرايوس اليوناني وينتظر العالم نوع السفن التي سترسي فيه. وأمام حلم الأتراك بأن تصبح تركيا مرة ثانية محورا للعالم الإسلامي، فإنها تعتبر نفسها محمية من كل هجوم و اختارت التصرف بحصانة، اذ قبلت بإيواء صواريخ أمريكية في إنجرليك وفي المقابل هددت الاتحاد الأوروبي بفتح حدودها لموجة من المهاجرين الغير شرعيين نحوها. وإذا كانت هذه الصورة المقتضبة للبحر الأبيض المتسوط في ربيع سنة 2023 مبعثرة، فإن الهدوء النسبي لسفن الطاقة المتجهة نحو الاتحاد الأوروبي لا تزال تمر عبر البحر الأبيض المتوسط على خيط رقيق وأي ابتزاز يخيف ، وأي أزمة تدلع النار. ومن مآسي أوروبا وبسبب اضطراب سياستها داخل البحر الأبيض المتوسط فإنها تدفع وتعاني من تدفق المهاجرين الغير الشرعيين نحوها وكذلك المخدرات وكل أنواع السلع الممنوعة سواء جاءت من ليبيا أو لبنان أو الجزائر أو سوريا، وتحاول بجهد وضع رؤية استراتيجية مشتركة.
ولقد ضاعت منها مفاتيح البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا منذ غزو أوكرانيا ، لتزداد عسكرة المتوسط، وعندما وضع الروس بيادقهم في مكانها، في الجزائر وليبيا وسوريا ولبنان وتركيا لتصبح السفن الروسية تجوب البحر الأبيض المتوسط بكل حرية. فتم رصد الفرقاطة أدميرال جورشكوف قبالة سواحل إسبانيا وقد أكده في فيفري الماضي رئيس أركان البحرية الإيطالية ، إنريكو كريديندينو عندما حذر من أن البحرية الروسية تتبنى موقفًا عدوانيًا يؤدي إلى مخاطر ووقوع حوادث. ومن مؤشرات عسكرة العالم برمته ، وحسب بعض الاحصائيات، فإنه لم يتبق اليوم سوى حوالي 15 سفينة روسية في البحر الأبيض المتوسط ، أي نصف ما كان عليه منذ بداية الحرب، إلا أن السؤال يبقى مطروحا: أين ذهبت البقية؟ وفي المقابل أعادت الولايات المتحدة نشر مجموعة قتالية دائمة من حاملات الطائرات في بحر البلطيق وفي رومانيا وذلك بغاية تعزيز نظام الناتو. ومنذ تخريب أنبوب نوردستريم 2 ، يشارك 12 ألف جندي في تمارين في البحر الأبيض المتوسط وذلك بغاية تأمين البحر من هجومات تأتي من أطراف عدائية على الامدادات النفطية الجنوبية المزروعة بين شمال افريقيا وأوروبا. ورغم الصحوة العسكرية على المتوسط فلقد شهدت مدينة مرسيليا الفرنسية عملية تخريبية نوعية تمثلت في تدمير المركز السابع في العالم للربط الاتصالي للانترنات وهي عملية صنفت ارهابية. ويبدو أننا نعيش وقت ترتيب مسرح المعارك أين البحر الأبيض المتوسط سيلعب دور الركح الرئيسي لمواجهات عسكرية قادمة.