أعلن البنك المركزي التونسي عن تراجع احتياطي العملة الصعبة إلى مستوى لا يتجاوز 91 يوما من الواردات، واعتبر أنه وصل إلى أدنى مستوى له منذ أربع سنوات.
وسجل البنك المركزي انخفاضا للاحتياطي من العملة الأجنبية إلى 21 مليار دينار وذلك يوم 7 جوان 2023 مما يعني أن دفوعات الواردات سوف لا تتجاوز 91 يوما، في حين أن في نفس هذا التاريخ من السنة الفارطة كان الاحتياطي من العملة الأجنبية يصل إلى 123 يوما. ويلاحظ خبراء الاقتصاد ان هذا التراجع ناتج عن تدهور المعاملات المالية الناتجة عن الصناعات التصديرية والسياحة التي تدفق العملات الاجنبية نحو تونس. ولقد سجلت تونس تراجع في قطاع التصدير منذ حلول الربيع العربي حيث دُمر النسيج الصناعي بضياع المؤسسات المصدرة كليا بالوقفات الاحتجاجية للعمال حيث تعالت الأصوات للمطالبة بالحرية والكرامة واندثر معها قطاع خاص كان يجني العملة الصعبة إلى خزائن الدولة بآلاف المليارات. وخلال هذه العشرية التي تلت الربيع العربي اختلطت كذلك مفاهيم السياسات الاقتصادية بين من يؤسس لدولة مدنية ومن يرى في ثورة الحرية والكرامة فرصة سانحة لإعادة الفتحات الاسلامية. ولقد سمح تطاحن أفكار السياسيين على المنابر الإعلامية على وقع ردة فعل عنيفة على وجه الواقع بحبك عمليات إرهابية أسفرت عن قتل سياسيين وأمنيين وكذلك مدنيين وسياح أجانب.
ورغم بنيتها التحتية المميزة وموقعها الاستراتيجي فإن البلاد التونسية وقعت في فخ الوجهة السياحية المشبوهة في الإعلام الغربي. وحتى يبقى الغرب في مأمن من تداعياتها، أصدرت بعض القنصليات الأجنبية في عديد المرات انذارات نحو رعاياها لأخذ الحذر من بعض المناطق الغير آمنة على التراب التونسي مما أدى إلى تدهور السمعة السياحية لتونس كذلك. وبضياع القدرات الصناعية المصدرة وقطاع السياحة ، ضعفت الموازنة المالية العامة للدولة بين تصدير وتوريد مما جعل الاحتياطي من العملة الصعبة يقترب شيئا فشيئا إلى 3 أشهر. ويؤشر وصول الاحتياطي إلى خط أحمر الآمن لمصداقية البلاد في معاملاتها المالية، إلى تداعيات على المعاملات البنكية على وجه الخصوص تجعل السلع الموردة نحو تونس إلى فرض خلاصها عند وصولها إلى المواني التونسية، وهو ما يعني انتهاء الاقتراض بالعلمة الأجنبية في كل عملية توريدية لتصبح المالية العمومية التونسية في ورطة دوامة سلبية لا تستطيع خلاص ما عليها في وقته من جهة ويصعب لها الاقتراض من جهة أخرى. وحتى تصلح الوضعية المالية العمومية في تونس، على السلطة الحالية وضع خارطة طريق اقتصادية جديدة تؤسس لرؤية مستقبلية منقذة ينخرط فيها كل الأطراف الاجتماعية بما في ذلك اتحاد الشغل وكل الأطراف السياسية. وفي أولى الأولويات الاصلاحية ايقاف نزيف الشركات العمومية الخاسرة التي تستهلك مدخرات الدولة أكثر مما تنتج لها وفتح فرصة الاستثمار فيها للقطاع الخاص الذي سيحيي القفزة المرجوة للاقتصاد التونسي.