الحركات الاجتماعية في العالم لم تهدء، فمنذ سنة 2016 شهد الكوكب في أكثر من 50 دولة انتفاضات وحركات اجتماعية ضخمة.
حدثان مهمان برزا في وقت واحد وهي نهاية فترة وبروز ثورات عالمية ضد ارتفاع الأسعار مع استقالة بوريس جونسون وتقريبًا في نفس الوقت يسقط كذلك غوتابيا راجاباكسا ، الجنرال الرجعي المناهض للمسلمين الذي كان رئيسًا لسريلانكا.
جونسون بعد ترامب وغدًا بولسونارو - ولم لا بوتين أيضا- وفي نفس الوقت يتزعزع العديد من القادة أقل شهرة في كولومبيا وبوليفيا وبيرو والهند وباكستان وسريلانكا من اليمين أو اليمين المتطرف الشعبوي أين بنت قادتهم نجاحات مرتكزة على الانقسامات الشعبية والدينية والجنسية والطائفية والكراهية والعرقية ، و خلقوا أوهاما في الفترة 2013-2019 . و سيسقطون جميعًا ، بعد الانتفاضات الشعبية ، ولو حتى بعملية اقتراع انتخابي.
تتوحد كل الطبقات الشعبية ضد كل أنواع الكراهية والانقسامات ولا يشهد العالم المعاصر معارضة يمينية - يسارية تقليدية بل معارضة متنامية خارج أطر ساحة الصراع الطبقي وضد الاستغلال ، وضد النظام الرأسمالي بشكل عام. وكالجوائح تتنقل الحركات الاحتجاجية من بلد إلى آخر لتصيب الجار ، وكل نجاح يدعو إلى نجاح في مكان آخر ، وكل حركة من فئة شعبية تتأهب لأن تكون جزءًا من حركة عامة. إنها فعلا عولمة احتجاجية.
ونرى ذلك بكل وضوح في انتفاضات الفلاحين. في الهند أو الباكستان أو سريلانكا مثلا، اندلعت الانتفاضات الشعبية ، ولئن رفعت الطبقات العاملة من نضالاتها الاقتصادية إلى طرح السؤال السياسي للسلطة إلى ما هو أبعد من الاقتصاد إلا و القيادات النقابية حاولت حصرهم في مسائل نقابية بحتة. وأكبر مثل لهذه الظاهرة تمثلت في هولاندا عند انتشار حركة احتجاجية للفلاحين الهولنديين على الفور تقريبًا إلى بلدان أوروبية مجاورة ووافق جميع سكان أوروبا لدعمهم. ولا يتعلق الأمر بالدفاع عن الفلاحة الإنتاجية فقط بل الحركة أصبحت كبيرة ومتعددة الأوجه لأنها لم تعد قادرة على تحمل أكاذيب القادة ونفاقهم السياسي واستغلالهم للوضع المزري وحالة القمع التي دمرت المحتجين.
وباستثناء الذين يؤمنون بالديمقراطية الاجتماعية -وغالبًا ما يحلون محل الخارجون- فإن سقوط القادة الرجعيين ليست إلا خطوات نحو صراعات أكبر ، نحو سلطة شعبية مباشرة.
إن الديمقراطية المباشرة للسترات الصفراء في فرنسا مثلا، وحركة السلطة للشعب المطلوبة في سريلانكا ، ودستور قيس سعيد المعروض للاستفتاء في تونس ، ولجان الأحياء في السودان التي تعتبر بالنسبة للآخيرين نوعًا من السوفياتيزم .. هي خطوات في كل مكان العالم نحو التنظيم الذاتي الشعبي.
واذا نظرنا عن قرب لحالة فرنسا بعد الانتخابات التشريعية فالوضع لم يتغير كثيرا ، أو على الأقل ليس بالسرعة الكافية. ومع ذلك ، وعلى الرغم من أن ماكرون لم يسقط ، فقد تلقى صفعة. رغم أن البلاد لم تشهد الكثير من النضالات والإضرابات من أجل الأجور منذ الخريف الماضي ، تحاول المنظمات المؤسساتية منع كل صوت حر من الانغماس في الساحة السياسية باحتوائه في إطار النظام الانتخابي التمثيلي وذلك لتفتيت الصراعات الاقتصادية ، وأبرز برهان لذلك نراه في ملاحظات قادة النقابات الذين يحاولون دائما تأجيل المواعيد النهائية للنضال من خلال اقتراح مثلا يوم 29 سبتمبر كيوم وحيد خاص بالإضراب العام وكأن تدهور القدرة الشرائية ليست بمطلب ملح. وستشهد فرنسا مجددا صائفة نضالية بارزة بالموسيقى التخريبية التي ستقف على حقيقة الحركات الاجتماعية لتأخذ منهج تقويض النظام من خلال تحرير نفسها تدريجياً من رموز وأدوات السلام الاجتماعي البرجوازي وسيطلق شعارات من نوع رفض العمل (لأنه استغلال) ، الانتخابات (لم نعد نؤمن بها بعد الآن) ، العطل (ليس لنا عطل) ، 14 جويلية (الأخوية والمساواة ، كذبة)… مع انتفاضة الفلاحين الهندية ، نظم قادة الحركات ، تعبئة شعبية على شكل تفكيك السيطرة الأيديولوجية المهيمنة ، إلا أن في فرنسا لم تتشكل انتفاضة قوية بهذا الشكل بل كانت متلاشئة، ومع هذا فإن اتجاه حركة السترات الصفراء تسير بنفس الخطوات والحال هو نفسه في أي مكان من العالم: النضالات مستمرة ، والدول بالتأكيد لا تزال تنهار لفتح الباب أمام استعادة الممتلكات المسروقة والمنهوبة حتى ولو وقع تدمير الإنجازات الاجتماعية وكذلك دمار الحريات ، ونحو بناء عالم جديد ، من خلال التحرر من نظام الاستغلال والاضطهاد. إننا في عالم يتغلغل فيه فايروس ينمو كالجائحة على الاستعمارية الرأسمالية المتوحشة.