يقول الخبير في الآثار المصرية، علي أبو دشيش، وهو كذلك عضو في إتحاد الأثريين، أن منذ أكثر من قرن مضى كان ماضي مصر كتابا مغلقا، ولا أحد يستطيع فك سر الرموز الموجودة على الآثار والتماثيل المصرية، وكان دور الفنان المصري القديم بارزا وفعالا في إخراج العمل الفني. لكن هل نعلم أن أول إحتجاج وإعتصام العمال، رفضا للسياسات الإقتصادية، وقع في عهد رامسيس الثالث ؟
ويضيف أبودشيش أن من وراء الفنانين كان هناك العمال، المحرك الفعلي لمختلف نواحي الحياة، وقد قام على عاتقهم هذا الخضم الهائل من الإنتاج الحضاري على ضفاف نهر النيل الذي إنبعثت منه الحياة في مصر القديمة، فكانت الزراعة أول حرفة. وتابع، أن العمل في الزراعة كان من الأعمال الهامة والشاقة، رسمت للحضارة المصرية معالمها الرئيسة، وكان إنتظام الزراعة هو أهم سمة لحياة المصري القديم، وبعد ذلك، إتجه المصري إلى الحرف الأساسية للتكيف مع البيئة المحيطة. ولولا العمال المصريون، لما تم إنجاز الأهرام الخالدة، ولولاهم لما كانت المعابد والمقابر باقية حتى الآن، ولولاهم أيضا لما عرفنا الصناعات الخشبية والمعدنية وطريقه صنع الأواني والفخار وصناعة الذهب. وأكمل قوله على أن العامل المصري القديم كان سببا في إستمرار وبقاء هذه الصناعات اليدوية القديمة. فقد عمل في ظل عدم الإمكانات، وأبدع في إخراج من تحت يديه أجمل الأشياء التي لا نزال نفتخر بها أمام العالم. بإختصار، لولا إتقان أولئك العمال، لما عثرنا على أسماء هؤلاء الملوك العظام. ويقول أبودشيش أن من أهم الصناعات في مصر القديمة، الصناعات الحجرية، مثل صناعة التماثيل والأواني الحجرية، وصناعة قطع الأحجار من المحاجر والصناعات المعدنية، مثل الذهب والفضة وغير ذلك. وقد بلغت الصناعة دقة كبيرة تمثل ذلك في العديد من الأعمال الفنية، مثل قناع الملك توت عنخ آمون، والصناعات الكيمائية، وصناعة الأدوية والعقاقير الطبية، والصناعات الخشبية، المتمثلة في صناعة الأساسات المنزلية والجنائزية.
وواصل أن على الرغم من أن العمال عانوا أشد المعاناة في العمل في الظروف الكاحلة، إلا أنهم كانوا أحيانا يطالبون بحقوقهم المادية، وقاموا بأول إضراب مسجل فى التاريخ، في عهد الملك رمسيس الثالث. وأكد أبودشيش أن إضراب العمال في عهد رمسيس الثالث موثق على جدران معبد هابو في مدينه الأقصر، حيث يسجل لنا التاريخ أول احتجاج عمالي منذ آلاف السنين، بعد أن إجتمع العمال المصريون في المعبد الجنائزي الذى بناه رمسيس الثالث وقاموا بإعلان الاحتجاج والاعتصام رفضا لسياسة الملك الاقتصادية التي تقوم على الإشراف في بناء المعابد الفارهة، وهو ما أضعف الاقتصاد حينذاك وتأخر الأجور للعمال في وسط المدينة لمدة شهرين. وختم بالقول أن بالفعل، امتثل الملك رمسيس الثالث لمطالب العمال، وإنتهى الإعتصام الذي خلدته جدران معبد هابو بالأقصر.